وتُعرف واحة آَرشي بإسم )قِلته آَرشي- وقِلتة مُصطلح يُقصد به ،Guelta d›Archei( حُفْرَة في الصَخر تَتجمع فيها المياء؛ وتُطلق بشكل عام على الواحات المُنتشرة في الوِديان والصَحاري، فتُعد الواحة فِعلاً غَريبة وعَجيبة في تكوينها؛ حيث تَتشكل مياهها عن طريق تسرب المياه الجوفية في الأراضي المُنخفضة إلى السطح مِما نَتج عنه تَجمعات وبِرك دَائمة لِلمياه
وتتميز واحة آَرشي بِسحرٍ طَبيعي خلّاب؛ فَهي تَجمع بين المُقوّمات البِيئية وَالجُغرافية المُتنوّعة، فَتقع الوَاحة بين الجِبال الشاهقة، وَتَشتمل على تكوين رائع من الكُثبان والصخور الرملية، بِالإضافة إلى عَدد كَبير مِن النقوش واللوحات الصخرية التي تُغطي جدران العديد من الجِبال والكثبان الصخرية بشكل رائع؛ وتَشهد هَذه النقوش على قِدم هذا المكان وأهميته الإستراتيجية الكَبيرة مُنذ الآلآف السنين، كَما يَسكن وَاحة آَرشي عِدة أنواع من الحيوانات والطيور، وَتُعتبر الإبل مِن أهم الحَيوانات التي تَرتبط بتاريخ هذه الواحة ارتباطًا وَثيقًا؛ وَيُطلق الكثير على هذه الواحة )وَاحة الإبل(؛ حيث تنتشر بِشكل كَبير فيها وتُشكّل هذه الإبل لَوحةً فَنيةً ومَنظرًا بَديعًا وَسط الجِبال الكَبيرة والمياة.
الإبل جُزء مِن المَوروث الطبيعي في واحة آَرشي؛ تُعتبر الإبل مُكوّن أساسي من مُكونات التُراث الطَبيعي لِلواحة؛ فهي جُزء أصيل مِن المَوروث الحَضاري لواحة آَرشي عبر التَاريخ، فَقد كَانت الوَاحة أحد المَمرات الرَئيسية لِلقَوافل التُجارية؛ حيث تمربها قَبائل الإبل في تَجمعات ضَخمة كل يوم، فَالواحة تُمثّل نُقطة جذب للمئات مِن المُسافرين في الصحراء الذين يَتطلعون إلى إراحة جِمالهم وسِقايتهم وتَجديد إمدادات المياه لِقَوافلهم، وقد كانت الواحة المَكان المِثالي المُناسب لِذلك؛ لِما تُوفره مِن المِياة الجَوفية البَاردة وَالجِبال المُرتفعة التي تُوفّر الظِل لكل من يَريد أن يَستظل ويَستريح، وَالخُصوصية والحِماية، كما تُعتبر الواحة مَلاذًا آمنًا وَبِيئةً خِصبةً لرَاحة عشرات الآلاف من الإبل بَعيدًا عن أعين النَاظرين، ومُطاردتهم.
وَتأخذ مِياه وَاحة آَرشي اللون الأسود؛ وذلك بِسبب رَوث الإبل الذي يَتجمع ويتراكم فيها على مَر السنوات العديدة ويَختلط بمياه الواحة مِما جَعلها سَوداء اللون، وقد تَجمّد هَذا الروث وتَحوّل لِما يُشبه الصُخور، وأصبح جُزء لا يَتجزأ من البِيئة الطَبيعية والجُغرافية للواحة عَلى مَر العُصور.
رَحلات السَفاري عَلى ظُهور الإبل إلى الوَاحة؛ تُشكّل الطَبيعة الجُغرافية الخلّابة لواحة آَرشي بَتشاد مَنطقة جَذب سِياحي لِرَحلات السَفاري للعديد من السياح والزَائرين الرَاغبين في الإستمتاع بِالطَبيعة الجَبلية الخلّابة والمُنحدرات الشَاهقة خِلال رِحلتهم عبر صَحاري تِشاد وُصولاً لِوَاحة آرشي، وَتَبدأ هذه الرحلات بِسَيارات الدَفع الرُباعي لِلوصول إلى الوَاحة؛ نَظرًا لِلطَبيعة الرَملية للواحة وَوُعرة السَطح، ثُم تُستكمل الرِحلة عَلى ظُهور الجِمال للإستمتاع بِمُشاهدة المَناظر الطَبيعية البَديعة في الصَحراء، ومُشاهدة التَكوينات الحَجرية الرَملية المُرتفعة التي تَأخذ اللون الأحمر المُميز، وتتَكون هَذه الرَحلات من مَجموعات؛ كل مَجموعة تَتكون مِن عَدد مِن الجِمال يَبلغ عَددها ) 22 ( يَمتطيها ) 12 ( شخص مِن الزَائرين، أمّا بَاقي الجِمال فهي مُخصّصة لِحَمل الأمتعة ولركوب المُرشدين المُصاحبين لِهذه المَجموعات؛ وهؤلاء المُرشدون مِن البَدو الرُحل المَحليين في تِشاد؛ حيث يَقومون بتجهيز وتَدريب السياح عَلى إمتطاء الإبل، وَتَستغرق الرِحلة حَوالي 25 كم يَوميًا
وَيستمتع السُياح أثناء رِحلة السفاري إلى وَاحة آرشي بِمُغامرة رُكوب الجِمال، وَيَستمتعون أكثر بِرُؤية قَوافل كَبيرة مِن قِطعان الإِبل والتي تَتوزع حَول مِياه الوَاحة ويَصل أعدادها لِحَوالي مائة، ويَقوم بِرعايتها واحد أو اثنين من الصِبية الصِغار.
وَتَتوقف هَذه الرِحلات لِمُشاهدة الرسوم الصَخرية وَالنقوش المُتنوّعة عَلى الجِبال المُحيطة بِالواحة؛ حيث تُوجد رُسوم صَخرية غَاية في الإبداع الفني عبارة عن رُسوم لأشكال الجِمال المُتنوعة، والتي كان يُنفّذها القَوافل التُجارية التي كَانت تَمر مِن هَذه الواحة مُنذ القِدم، وتَعكس هَذه النُقوش قِدم تَاريخ هَذه الوَاحة العَجيبة، كَما تُبرز هَذه النُقوش أهمية الإبل والدَور الكبير الذي لَعبته مُنذ الآلآف السنين، وَقد تَنوّعت مَوضوعات هَذه النُقوش وَأشكالها؛ وَتَأتي رُسوم هذه الإبل مُنفردة، وَأحياناً ضِمن مَجموعات حَيوانات أُخرى، إلى جَانب رُسوم العَناصر الزُخرفية المُتنوعة، تِلك التي صَاغتها أيادي فَنانين، وتَكمن أهمية هَذه النُقوش في كَونها تَسجيل لِلتَاريخ البَشري في هَذه المَناطق؛ كَما أنّ هَذه النُقوش تُمثّل أرشيفًا تَاريخيًا مُصوّراً لِرحلة الإنسان وحَياته، وَتَطوّر نَشاطه الإقتصادي والإجتماعي والثَقافي عَبر الآلآف السِنين، وَتُعتبر هَذه النُقوش مَصدر جَذب وَإهتمام لِعَدد كَبير مِن البَاحثين وَالدَارسين في عِلم الأنثربولوجيا.
كَما يَحرص المُصورون الأوربيون عَلى زِيارة وَاحة آَرشي؛ لِلإستمتاع بمُشاهدة وتَصوير المَناظر الطَبيعية لِلوَاحة، ونقلوا بعدساتهم مَناظر قطعان الإبل وسط الجِبال في تَناغم وإنسجام كَبير وكأنها لوحة فنية مَرسومة بإتقانٍ شَديد، والتي أضافت للواحة مزيد من التميز والإبهار لهم، ومن أشهر المُصوّرين الذين زَاروا واحة آَرشي؛ المُصوران الأستراليان كيم وتونيا إيلمان اللذان قاما بزيارة هذه الواحة ونقلا بِكاميراتهما هَذه المَشاهد الرَائعة، وألفلا كِتاب يَجمع صُور مُتنوعة مِن رَحلاتهم إلى إفريقيا ومنها صُور رَائعة لِواحة آَرشي، وعُرف هَذا الكتاب ب )إفريقيا على سفاري(.
وأخيرًا، أضافت الإبل أهمية كبيرة واحة آرشي في تشاد بجانب أهميتها البِيئية والطَبيعية وتُراثها الحَضاري الرَائع، وأصبحت الإبل جُزء لا يَتجزأ مِن المَوروث الطَبيعي والبيئي والتَاريخي لِهذه الوَاحة.
إسماعيل أحمد ياغي، محمود شاكر، تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر قارة إفريقية، الجزء الثاني) 1492 ه/ 1980 م(، مكتبة العُبيكان، الرياض، 2008 م.
عبد الله بخيت صالح، جغرافية تشاد، مكتبة بورصة الكتب للنشر والتوزيع, القاهرة، 2012 م.
3- Mahmoud Shaker Shaker Al-Haristani Abu Osama, Chad, Resala Foundation for Printing and Publishing,1972 AD. Beirut, Lebanon, 1st floor Hidden in “Archie”
4- article titled Oasis Chad, Al Bayan UAE magazine, May 12, 2014